فصل: تفسير الآية رقم (56)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏وَلَقَدْ صَرَّفْنَا‏}‏ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ ‏{‏فِي هَذَا الْقُرْآنِ‏}‏ الْعِبَرَ وَالْآيَاتِ وَالْحُجَجَ، وَضَرَبْنَا لَهُمْ فِيهِ الْأَمْثَالَ، وَحَذَّرْنَاهُمْ فِيهِ وَأَنْذَرْنَاهُمْ ‏(‏لِيَذَّكَّرُوا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ لِيَتَذَكَّرُوا تِلْكَ الْحُجَجَ عَلَيْهِمْ، فَيَعْقِلُوا خَطَأً مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ، وَيُعْتَبَرُوا بِالْعَبْرِ، فَيَتَّعِظُوا بِهَا، وَيُنِيبُوا مِنْ جَهَالَتِهِمْ، فَمَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا، وَلَا يَتَذَكَّرُونَ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْآيَاتِ وَالنُّذُرِ، وَمَا يَزِيدُهُمْ تَذْكِيرُنَا إِيَّاهُمْ ‏(‏إِلَّا نُفُورًا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا ذَهَابًا عَنِ الْحَقِّ، وَبُعْدًا مِنْهُ وَهَرَبًا‏.‏ وَالنُّفُورُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ نَفَرَ فُلَانٌ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ يَنْفِرُ مِنْهُ نَفْرًا وَنُفُورًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ‏:‏ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ‏:‏ مِنْ أَنْ مَعَهُ آلِهَةً، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُونَ، إِذَنْ لَابْتَغَتْ تِلْكَ الْآلِهَةُ الْقُرْبَةَ مِنَ اللَّهِ ذِي الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وَالْتَمَسَتِ الزُّلْفَةَ إِلَيْهِ، وَالْمَرْتَبَةَ مِنْهُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ إِذَنْ لَعَرِفُوا فَضْلَهُ وَمَرْتَبَتَهُ وَمَنْزِلَتَهُ عَلَيْهِمْ، فَابْتَغَوْا مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ لَابْتَغَوْا الْقُرْبَ إِلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏43- 44‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا‏}‏‏.‏

وَهَذَا تَنْزِيهٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَفْسَهُ عَمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، الْجَاعِلُونَ مَعَهُ آلِهَةً غَيْرَهُ، الْمُضِيفُونَ إِلَيْهِ الْبَنَاتَ، فَقَالَ‏:‏ تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَعُلُوًّا لَهُ عَمَّا تَقُولُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ، مِنَ الْفِرْيَةِ وَالْكَذِبِ، فَإِنَّ مَا تُضِيفُونَ إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ صِفَةُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا‏}‏ يُسَبِّحُ نَفْسَهُ إِذْ قِيلَ عَلَيْهِ الْبُهْتَانَ‏.‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا‏}‏ وَلَمْ يُقَلْ‏:‏ تَعَالَيَا، كَمَا قَالَ ‏{‏وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا‏}‏ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

أَنْـتَ الْفِـدَاءُ لِكَعْبَـةٍ هَدَّمْتَهَـا *** وَنَقَرْتَهَـا بِيَـدَيْكَ كُـلَّ مَنَقَّـرِ

مُنِـعَ الْحَمـامُ مَقِيلَـهُ مِـنْ سَـقْفِهَا *** ومِـنَ الْحَـطِيمِ فَطَـارَ كُـلَّ مُطَـيَّرِ

وَقَوْلُهُ ‏{‏تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ‏}‏ يَقُولُ‏:‏

تَنَزَّهَ اللَّهَ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ عَمَّا وَصَفْتُمُوهُ بِهِ إِعْظَامًا لَهُ وَإِجْلَالًا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ، وَمِنْ فِيهِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَأَنْتُمْ مَعَ إِنْعَامِهِ عَلَيْكُمْ، وَجَمِيلِ أَيَادِيهِ عِنْدَكُمْ، تَفْتَرُونَ عَلَيْهِ بِمَا تَفْتَرُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏

وَمَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي بِهِ نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوِدِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ “ أَلَّا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ نُوحٌ ابْنَهُ‏؟‏ إِنَّ نُوحًا قَالَ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ آمُرُكَ أَنْ تَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْخَلْقِ، وَتَسْبِيحُ الْخَلْقِ، وَبِهَا تُرْزَقُ الْخَلْقُ، قَالَ اللَّهُ ‏{‏وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ‏:‏ لَا يَعِيبَنَّ أَحَدُكُمْ دَابَّتَهُ وَلَا ثَوْبَهُ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الشَّجَرَةُ تُسَبِّحُ، وَالْأُسْطُوَانَةُ تُسَبِّحُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ وَزَيْدُ بْنُ حَبَّابٍ، قَالَا ثَنَا جَرِيرُ أَبُو الْخَطَّابِ، قَالَ‏:‏ كُنَّا مَعَ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ وَمَعَهُ الْحَسَنُ فِي طَعَامٍ، فَقَدَّمُوا الْخَوَانَ، فَقَالَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ‏:‏ يَا أَبَا سَعِيدٍ يُسَبِّحُ هَذَا الْخَوَانُ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ كَانَ يُسَبِّحُ مَرَّةً‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، وَيُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ‏}‏ قَالَا كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ الطَّعَامُ يُسَبِّحُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ يُسَبِّحُ، مِنْ شَجَرٍ أَوْ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ‏:‏ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَهِيَ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ الَّتِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ أَحَدٍ عَمَلًا حَتَّى يَقُولَهَا، فَإِذَا قَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَهِيَ كَلِمَةُ الشُّكْرِ الَّتِي لَمْ يَشْكُرِ اللَّهُ عَبَدًا قَطُّ حَتَّى يَقُولَهَا، فَإِذَا قَالَ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَهِيَ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَهِيَ صَلَاةُ الْخَلَائِقِ الَّتِي لَمْ يَدْعِ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا نَوَّرَهُ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيحِ، فَإِذَا قَالَ‏:‏ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ‏:‏ أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَ مَا عَدَّا تَسْبِيحَ مَنْ كَانَ يُسَبِّحُ بِمِثْلِ أَلْسِنَتِكُمْ ‏{‏إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ كَانَ حَلِيمًا لَا يُعَجِّلُ عَلَى خَلْقِهِ، الَّذِينَ يُخَالِفُونَ أَمْرَهُ، وَيَكْفُرُونَ بِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لِعَاجِلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مَعَهُ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ بِالْعُقُوبَةِ ‏(‏غَفُورًا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ سَاتِرًا عَلَيْهِمْ ذُنُوبَهُمْ، إِذَا هُمْ تَابُوا مِنْهَا بِالْعَفْوِ مِنْهُ لَهُمْ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا‏}‏ عَنْ خَلْقِهِ، فَلَا يُعَجِّلُ كَعَجَلَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ‏(‏غَفُورًا‏)‏ لِهَمٍّ إِذَا تَابُوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِذَا قَرَأَتْ يَا مُحَمَّدُ الْقُرْآنَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ، وَلَا يُقِرُّونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ حِجَابًا، يَحْجُبُ قُلُوبَهُمْ عَنْ أَنْ يَفْهَمُوا مَا تَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمْ، فَيَنْتَفِعُوا بِهِ، عُقُوبَةً مِنَّا لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ‏.‏ وَالْحِجَابُ هَهُنَا‏:‏ هُوَ السَّاتِرُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا‏}‏ الْحِجَابُ الْمَسْتُورُ أَكِنَّةٌ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَنْ يَفْقَهَوهُ وَأَنْ يَنْتَفِعُوا بِهِ، أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏حِجَابًا مَسْتُورًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْأَكِنَّةُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ أُبَيٌّ‏:‏ لَا يَفْقَهُونَهُ، وَقَرَأَ ‏{‏قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ‏}‏ لَا يَخْلُصُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ ‏{‏حِجَابًا مَسْتُورًا‏}‏ حِجَابًا سَاتِرًا، وَلَكِنَّهُ أُخْرِجَ وَهُوَ فَاعِلٌ فِي لَفْظِ الْمَفْعُولِ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ إِنَّكَ مَشْئُومٌ عَلَيْنَا وَمَيْمُونٌ، وَإِنَّمَا هُوَ شَائِمٌ وَيَامِنٌ، لِأَنَّهُ مِنْ شُأْمِهِمْ وَيُمْنِهِمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالْحِجَابُ هَهُنَا‏:‏ هُوَ السَّاتِرُ، وَقَالَ‏:‏ مَسْتُورًا‏.‏ وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ حِجَابًا مَسْتُورًا عَنِ الْعِبَادِ فَلَا يَرَوْنَهُ‏.‏

وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَظْهَرُ بِمَعْنَى الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْتُورُ هُوَ الْحِجَابُ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ‏:‏ أَنَّ لِلَّهِ سِتْرًا عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ فَلَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُهُمْ، وَإِنْ كَانَ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَجَعَلَنَا عَلَى قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عِنْدَ قِرَاءَتِكَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ أَكِنَّةً، وَهِيَ جُمَعُ كِنَانٍ، وَذَلِكَ مَا يَتَغَشَّاهَا مِنْ خُذْلَانِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَنْ فَهْمِ مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ ‏{‏وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَجَعَلَنَا فِي آذَانِهِمْ وَقَّرَا عَنْ سَمَاعِهِ، وَصَمَّمًا، وَالْوَقْرُ بِالْفَتْحِ فِي الْأُذُنِ‏:‏ الثِّقْلُ‏.‏ وَالْوِقْرُ بِالْكَسْرِ‏:‏ الْحِمْلُ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِذَا قُلْتَ‏:‏ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ وَأَنْتَ تَتْلُوهُ ‏{‏وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ انْفَضُّوا، فَذَهَبُوا عَنْكَ نُفُورًا مِنْ قَوْلِكَ اسْتِكْبَارًا لَهُ وَاسْتِعْظَامًا مِنْ أَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا‏}‏ وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا قَالُوا‏:‏ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ وَكَبُرَتْ عَلَيْهِمْ، فَصَافَّهَا إِبْلِيسٌ وَجُنُودُهُ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُمْضِيَهَا وَيَنْصُرَهَا وَيَفْلِجَهَا وَيُظْهِرَهَا عَلَى مَنْ نَاوَأَهَا، إِنَّهَا كَلِمَةٌ مَنْ خَاصَمَ بِهَا فَلَجَ، وَمَنْ قَاتَلَ بِهَا نُصِرَ، إِنَّمَا يَعْرِفُهَا أَهْلُ هَذِهِ الْجَزِيرَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، الَّتِي يَقْطَعُهَا الرَّاكِبُ فِي لَيَالٍ قَلَائِلَ وَيَسِيرُ الدَّهْرَ فِي فِئَامٍ مِنَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَهَا وَلَا يَقْرَونَ بِهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا‏}‏ قَالَ‏:‏ بُغْضًا لِمَا تَكَلَّمَ بِهِ لِئَلَّا يَسْمَعُوهُ، كَمَا كَانَ قَوْمُ نُوحٍ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ، وَيَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ، قَالَ‏:‏ يَلْتَفُّونَ بِثِيَابِهِمْ، وَيَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا عُنِيَ بِقَوْلِهِ ‏{‏وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا‏}‏ الشَّيَاطِينُ، وَإِنَّهَا تَهْرُبُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الذَّارِعُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا رَوْحُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَبُو رَجَاءٍ الْكَلْبِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا‏}‏ هُمُ الشَّيَاطِينُ‏.‏

وَالْقَوْلُ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَشْبَهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَتْبَعُ ذَلِكَ قَوْلَهُ ‏{‏وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا‏}‏ فَإِنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْهُمْ أُولَى إِذَا كَانَ بِخَبَرِهِمْ مُتَّصِلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَمَّنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذِكْرٌ‏.‏ وَأَمَّا النُّفُورُ، فَإِنَّهَا جَمْعٌ نَافِرٌ، كَمَا الْقُعُودُ جَمْعُ قَاعِدٍ، وَالْجُلُوسُ جَمْعُ جَالِسٍ؛ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا أُخْرِجَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، إِذْ كَانَ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَّوْا‏)‏ بِمَعْنَى‏:‏ نَفَرُوا، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ نَفَرُوا نُفُورًا، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسَ‏:‏

وَرُضْتُ فَذَلَّتْ صَعْبَةٌ أَيُّ إِذْلَالِ

إِذَا كَانَ رُضْتُ بِمَعْنَى‏:‏ أَذْلَلْتُ، فَأَخْرَجَ الْإِذْلَالَ مِنْ مَعْنَاهُ، لَا مِنْ لَفْظِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ نَحْنُ أَعْلَمُ يَا مُحَمَّدُ بِمَا يَسْتَمِعُ بِهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ، إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ ‏{‏وَإِذْ هُمْ نَجْوَى‏}‏‏.‏ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ‏:‏ النَّجْوَى‏:‏ فِعْلُهُمْ، فَجَعَلَهُمْ هُمُ النَّجْوَى، كَمَا يَقُولُ‏:‏ هُمْ قَوْمٌ رِضًا، وَإِنَّمَا رِضَا‏:‏ فِعْلُهُمْ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ حِينَ يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مَا تَتْبَعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا‏.‏ وَعَنَى فِيمَا ذُكِرَ بِالنَّجْوَى‏:‏ الَّذِينَ تَشَاوَرُوا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِ النَّدْوَةِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ مِثْلُ قِيلَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغَيِّرَةِ وَمَنْ مَعَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ، وَنَجْوَاهُمْ أَنْ زَعَمُوا أَنَّهُ مَجْنُونٌ، وَأَنَّهُ سَاحِرٌ، وَقَالُوا ‏{‏أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏}‏‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَذْهَبُ بِقَوْلِهِ ‏{‏إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا‏}‏ إِلَى مَعْنَى‏:‏ مَا تَتْبَعُونَ إِلَّا رَجُلًا لَهُ سَحْرٌ‏:‏ أَيْ لَهُ رِئَةٌ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الرِّئَةَ سَحْرًا، وَالْمَسْحُرُ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلرَّجُلِ إِذَا جُبْنَ‏:‏ قَدِ انْتَفَخَ سِحْرُهُ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِكُلِّ مَا أُكِلَ أَوْ شُرِبَ مِنْ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ‏:‏ مَسْحُورٌ وَمُسَحَّرٌ، كَمَا قَالَ لَبِيَدٌ‏:‏

فَـإِنْ تَسْـأَلِينَا فِيـمَ نَحْـنُ فَإِنَّنَـا *** عَصَـافِيرُ مِـنْ هَـذَا الْأَنَـامِ الْمُسَحَّرِ

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏

ونُسَحَّرُ بِالطَّعَامِ وَبِالشَّرَابِ

أَيْ نُغَذَّى بِهِمَا، فَكَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ كَانَ‏:‏ إِنَّ تَتْبَعُونَ إِلَّا رَجُلًا لَهُ رِئَةٌ، يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَيَشْرَبُ الشَّرَابَ، لَا مَلَكًا لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ بَعِيدٍ مِنَ الصَّوَابِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ انْظُرْ يَا مُحَمَّدُ بِعَيْنِ قَلْبِكَ فَاعْتَبِرْ كَيْفَ مَثَّلُوا لَكَ الْأَمْثَالَ، وَشَبَّهُوا لَكَ الْأَشْبَاهَ، بِقَوْلِهِمْ‏:‏ هُوَ مَسْحُورٌ، وَهُوَ شَاعِرٌ، وَهُوَ مَجْنُونٌ ‏(‏فَضَّلُوا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ فَجَارُوا عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ بِقَيْلِهِمْ مَا قَالُوا ‏{‏فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَلَا يَهْتَدُونَ لِطَرِيقِ الْحَقِّ لِضَلَالِهِمْ عَنْهُ وَبُعْدِهِمْ مِنْهُ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ خَذَلَهُمْ عَنْ إِصَابَتِهِ، فَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْمَخْرَجِ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ كُفْرِهِمْ بِتَوَفُّقِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ مَخْرَجًا، الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابُهُ أَيْضًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا‏}‏ مَخْرَجًا، الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابُهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَقَالُوا بِعَنَتِهِمْ‏:‏ ‏{‏أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا‏}‏ لَمْ نَتَحَطَّمْ وَلَمْ نَتَكَسَّرْ بَعْدَ مَمَاتِنَا وَبَلَانَا ‏(‏وَرُفَاتًا‏)‏ يَعْنِي تُرَابًا فِي قُبُورِنَا‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، يَقُولُ اللَّهُ ‏(‏رُفَاتًا‏)‏ قَالَ‏:‏ تُرَابًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ غُبَارًا، وَلَا وَاحِدَ لِلرُّفَاتِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدُّقَاقِ وَالْحُطَامِ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ رُفِتَ يُرْفَتُ رَفْتًا فَهُوَ مَرْفُوتٌ‏:‏ إِذَا صُيِّرَ كَالْحُطَامِ وَالرُّضَاضِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا‏}‏ قَالُوا، إِنْكَارًا مِنْهُمْ لِلْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ‏:‏ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ بَعْدَ مَصِيرِنَا فِي الْقُبُورِ عِظَامًا غَيْرَ مُنْحَطِمَةٍ، وَرُفَاتًا مُنْحَطِمَةً، وَقَدْ بَلِيّنَا فَصِرْنَا فِيهَا تُرَابًا، خَلْقًا مُنْشَأً كَمَا كُنَّا قَبْلَ الْمَمَاتِ جَدِيدًا، نُعَادِ كَمَا بُدِئْنَا، فَأَجَابَهُمْ جَلَّ جَلَالُهُ يُعَرِّفُهُمْ قُدْرَتَهُ عَلَى بَعْثِهِ إِيَّاهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَإِنْشَائِهِ لَهُمْ كَمَا كَانُوا قَبْلَ بِلَاهِمْ خَلْقًا جَدِيدًا، عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانُوا مِنَ الْأَحْوَالِ، عِظَامًا أَوْ رُفَاتًا، أَوْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْظُمُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَحْدُثَ مِثْلُهُ خَلْقًا أَمْثَالَهُمْ أَحْيَاءَ، قُلْ يَا مُحَمَّدُ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏50- 51‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ مِنْ قَوْمِكَ الْقَائِلِينَ ‏{‏أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا‏}‏ كُونُوا إِنْ عَجِبْتُمْ مِنْ إِنْشَاءِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ، وَإِعَادَتِهِ أَجْسَامَكُمْ، خَلْقًا جَدِيدًا بَعْدَ بِلَاكِمٍ فِي التُّرَابِ، وَمَصِيرَكُمْ رُفَاتًا، وَأَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ مِنْ قُدْرَتِهِ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ إِنْ قَدَرْتُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنِّي أُحْيِيكُمْ وَأَبْعَثُكُمْ خَلْقًا جَدِيدًا بَعْدَ مَصِيرِكُمْ كَذَلِكَ كَمَا بَدَأْتُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ ‏{‏أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِيَ بِهِ الْمَوْتُ، وَأُرِيدَ بِهِ‏:‏ أَوْ كُونُوا الْمَوْتَ، فَإِنَّكُمْ إِنْ كُنْتُمُوهُ أَمَتُّكُمْ ثُمَّ بَعَثَتْكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمَ الْبَعْثِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ‏{‏أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَوْتَ، قَالَ‏:‏ لَوْ كُنْتُمْ مَوْتَى لَأَحْيَيْتُكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ‏}‏ يَعْنِي الْمَوْتَ، يَقُولُ‏:‏ إِنْ كُنْتُمُ الْمَوْتَ أَحْيَيْتُكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْجَنَبِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَوْتُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو دَاوُدَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي رَجَاءَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَوْتُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ‏}‏ كُونُوا الْمَوْتَ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّ الْمَوْتَ سَيَمُوتُ؛ قَالَ‏:‏ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْبَرُ فِي نَفْسِ ابْنِ آدَمَ مِنَ الْمَوْتِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏:‏ هُوَ الْمَوْتُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ «“ يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُنَادِي مُنَادٍ يُسْمِعُ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ، فَيَقُولُ‏:‏ هَذَا الْمَوْتُ قَدْ جِئْنَا بِهِ وَنَحْنُ مُهْلِكُوهُ، فَايْقِنُوا يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ أَنَّ الْمَوْتَ قَدْ هَلَكَ “»‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ‏}‏ يَعْنِي الْمَوْتَ، يَقُولُ‏:‏ لَوْ كُنْتُمُ الْمَوْتَ لَأَمَتُّكُمْ‏.‏

وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ‏:‏ «إِنَّ اللَّهَ يَجِيءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ، كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ، فَيَقِفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُنَادِي أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ هَذَا الْمَوْتُ، وَنَحْنُ ذَابِحُوهُ، فَأَيْقِنُوا بِالْخُلُود»‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ أُرِيدَ بِذَلِكَ‏:‏ كُونُوا مَا شِئْتُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا شِئْتُمْ فَكُونُوا، فَسَيُعِيدُكُمُ اللَّهُ كَمَا كُنْتُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَلْقًا جَدِيدًا‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ ‏{‏أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ‏}‏، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِهِ الْمَوْتَ، لِأَنَّهُ عَظِيمٌ فِي صُدُورِ بَنِي آدَمَ؛ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ؛ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا بَيَانَ فِي ذَلِكَ أَبْيَنَ مِمَّا بَيَّنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَهُوَ كُلُّ مَا كَبُرَ فِي صُدُورِ بَنِي آدَمَ مِنْ خَلْقِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ ‏{‏فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا‏}‏ فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ فَسَيَقُولُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ‏{‏مَنْ يُعِيدُنَا‏}‏ خَلْقًا جَدِيدًا، إِنْ كُنَّا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِنَا، فَقُلْ لَهُمْ‏:‏ يُعِيدُكُمْ ‏{‏الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يُعِيدُكُمْ كَمَا كُنْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَصِيرُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا إِنْسًا أَحْيَاءَ، الَّذِي خَلَقَكُمْ إِنْسًا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ‏}‏ أَيْ خَلَقَكُمْ ‏{‏فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ لَهُمْ ذَلِكَ، فَسَيَهُزُّونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ بِرَفْعٍ وَخَفْضٍ، وَكَذَلِكَ النَّغْضُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، إِنَّمَا هُوَ حَرَكَةٌ بِارْتِفَاعٍ ثُمَّ انْخِفَاضٍ، أَوِ انْخِفَاضٍ ثُمَّ ارْتِفَاعٍ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الظَّلِيمُ نَغْضًا، لِأَنَّهُ إِذَا عَجَّلَ الْمَشْيَ ارْتَفَعَ وَانْخَفَضَ، وَحَرَّكَ رَأْسَهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏.‏

أَسَكَّ نَغْضًا لَا يَنِي مُسْتَهْدِجًا ***

وَيُقَالُ‏:‏ نَغَضَتْ سِنُّهُ‏:‏ إِذَا تَحَرَّكَتْ وَارْتَفَعَتْ مِنْ أَصْلِهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزُ‏:‏

وَنَغَضَتْ مِنْ هَرِمٍ أَسْنَانُهَا ***

وَقَوْلُ الْآخَرِ‏:‏

لَمَّا رَأَتْنِي أَنْغَضَتْ لِيَ الرَّأْسَا ***

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ‏}‏ أَيْ يُحَرِّكُونَ رُءُوسَهُمْ تَكْذِيبًا وَاسْتِهْزَاءً‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُحَرِّكُونَ رُءُوسَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ سَيُحَرِّكُونَهَا إِلَيْكَ اسْتِهْزَاءً‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُحَرِّكُونَ رُءُوسَهُمْ يَسْتَهْزِءُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَهْزَءُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَيَقُولُونَ مَتَى الْبَعْثُ، وَفِي أَيِّ حَالٍ وَوَقْتٍ يُعِيدُنَا خَلَقًا جَدِيدًا، كَمَا كُنَّا أَوَّلَ مَرَّةٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ‏:‏ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ قَالُوا لَكَ‏:‏ مَتَى هُوَ، مَتَى هَذَا الْبَعْثُ الَّذِي تَعِدُنَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا‏؟‏ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ‏:‏ هُوَ قَرِيبٌ، لِأَنَّ عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «“ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى “»، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ قَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏52- 53‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَعْثُكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ قَرِيبًا، ذَلِكَ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ رَبُّكُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ قُبُورِكُمْ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ‏{‏فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ فَتَسْتَجِيبُونَ بِأَمْرِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ بِأَمْرِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏{‏فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِأَمْرِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَتَسْتَجِيبُونَ بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ‏}‏‏:‏ أَيْ بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ فَتَسْتَجِيبُونَ لِلَّهِ مِنْ قُبُورِكُمْ بِقُدْرَتِهِ، وَدُعَائِهِ إِيَّاكُمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي كُلِّ حَالٍ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ‏:‏ فَعَلْتُ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِحَمْدِ اللَّهِ، يَعْنِي‏:‏ لِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ مَا فَعَلْتُهُ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

فَـإِنِّي بِحَـمْدِ اللَّـهِ لَا ثَـوْبَ فَـاجِرٍ *** لَبِسْـتُ وَلَا مِـنْ غَـدْرَةٍ أتَقَنَّـعُ

بِمَعْنَى‏:‏ فَإِنِّي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا ثَوْبَ فَاجِرٍ لَبِسْتُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَحْسَبُونَ عِنْدَ مُوَافَاتِكُمُ الْقِيَامَةَ مِنْ هَوْلِ مَا تُعَايِنُونَ فِيهَا مَا لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ‏}‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏‏:‏ أَيْ فِي الدُّنْيَا، تَحَاقَرَتِ الدُّنْيَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَقَلَّتْ، حِينَ عَايَنُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏

وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِعِبَادِي يَقُلْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ وَالْمُخَاطَبَةِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا النَّضِرُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ، عَنِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ قَالَ‏:‏ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، لَا يَقُولُ لَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ يَقُولُ لَهُ‏:‏ يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسُوءُ مُحَاوَرَةَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ، يَقُولُ‏:‏ يُفْسِدُ بَيْنَهُمْ، يُهَيِّجُ بَيْنَهُمُ الشَّرَّ ‏{‏إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِآدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ عَدُوًّا، قَدْ أَبَانَ لَهُمْ عَدَاوَتَهُ بِمَا أَظْهَرَ لِآدَمَ مِنَ الْحَسَدِ، وَغُرُورِهِ إِيَّاهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ قَالُوا ‏{‏أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا‏}‏- ‏(‏رَبُّكُمْ‏)‏ أَيُّهَا الْقَوْمُ ‏{‏أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ‏}‏ فَيَتُوبُ عَلَيْكُمْ بِرَحْمَتِهِ، حَتَّى تُنِيبُوا عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ‏{‏إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ‏}‏ بِأَنْ يَخْذُلَكُمْ عَنِ الْإِيمَانِ، فَتَمُوتُوا عَلَى شِرْكِكُمْ، فَيُعَذِّبُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِكُفْرِكُمْ بِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ ‏{‏رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَتُؤْمِنُوا ‏{‏أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ‏}‏ فَتَمُوتُوا عَلَى الشِّرْكِ كَمَا أَنْتُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا‏}‏ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَنْ أَرْسَلْنَاكَ إِلَيْهِ لِتَدْعُوَهُ إِلَى طَاعَتِنَا رَبًّا وَلَا رَقِيبًا، إِنَّمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَيْهِمْ لِتُبَلِّغهُمْ رِسَالَاتُنَا، وَبِأَيْدِينَا صَرْفِهِمْ وَتَدْبِيرَهُمْ، فَإِنْ شِئْنَا رَحِمْنَاهُمْ، وَإِنْ شِئْنَا عَذَّبْنَاهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَرَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا يُصْلِحُهُمْ فَإِنَّهُ هُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ وَمُدْبَرُهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْعَذَابِ، أَهْدَى لِلْحَقِّ مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنِّي الرَّحْمَةَ وَالسَّعَادَةَ، وَأُضِلُّ مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنِّي الشَّقَاءَ وَالْخِذْلَانَ، يَقُولُ‏:‏ فَلَا يَكْبُرُنَّ ذَلِكَ عَلَيْكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي بِهِمْ لِتَفْضِيلِي بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ، بِإِرْسَالِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضِ الْخَلْقِ، وَبَعْضِهِمْ إِلَى الْجَمِيعِ، وَرَفْعِي بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضِ دَرَجَاتٍ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَكَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَجَعَلَ اللَّهُ عِيسَى كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، مِنْ كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ، وَآتَى سُلَيْمَانَ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَآتَى دَاوُدَ زَبُورًا، كُنَّا نُحَدِّثُ دُعَاءً عُلِّمَهُ دَاوُدُ، تَحْمِيدٌ وَتَمْجِيدٌ، لَيْسَ فِيهِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، وَلَا فَرَائِضُ وَلَا حُدُودُ، وَغَفَرَ لِمُحَمَّدٍ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏{‏وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى، وَأَرْسَلَ مُحَمَّدًا إِلَى النَّاسِ كَافَّةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ مَنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ خَلَقِهِ، ادْعَوْا أَيُّهَا الْقَوْمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ أَرْبَابٌ وَآلِهَةٌ مِنْ دُونِهِ عِنْدَ ضُرٍّ يِنْزِلُ بِكُمْ، فَانْظُرُوا هَلْ يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعٍ ذَلِكَ عَنْكُمْ، أَوْ تَحْوِيلِهِ عَنْكُمْ إِلَى غَيْرِكُمْ، فَتَدْعُوهُمْ آلِهَةً، فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يُمَلِكُونَهُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ وَيُقَدُرُ عَلَيْهِ خَالِقُكُمْ وَخَالِقُهُمْ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ، كَانُوا يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَعُزَيْرًا وَالْمَسِيحَ، وَبَعْضُهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يَقُولُونَ‏:‏ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ وَعُزَيْرًا، وَهْمُ الَّذِينَ يَدْعُونَ، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَالْمَسِيحَ وَعُزَيْرًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُوهُمْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ أَرْبَابًا ‏{‏يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏

يَبْتَغِي الْمَدْعُوُّونَ أَرْبَابًا إِلَى رَبِّهِمُ الْقُرْبَةَ وَالزُّلْفَةَ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ إِيمَانٍ بِهِ، وَالْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ‏{‏أَيُّهُمْ أَقْرَبُ‏}‏ أَيُّهُمْ بِصَالِحِ عَمَلِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي عِبَادَتِهِ أقْرَبُ عِنْدَهُ زُلْفَةً ‏(‏وَيَرْجُونَ‏)‏ بِأَفْعَالِهِمْ تِلْكَ ‏(‏رَحْمَتَهُ‏)‏ وَيَخَافُونَ أَمْرَهُ ‏{‏عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ‏}‏ يَا مُحَمَّدُ ‏{‏كَانَ مَحْذُورًا‏}‏ مُتَّقًى‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْمَدْعُوِّينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُمْ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ نَاسٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعْبُدُونَ قَوْمًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنُّ وَبَقِيَ الْإِنْسُ عَلَى كُفْرِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏ يَعْنِي الْجِنَّ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَبِيلٌ مِنَ الْجِنِّ كَانُوا يَعْبُدُونَ فَأَسْلَمُوا‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي الْحُسَيْنُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزّمانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُّو يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ، وَالْإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِإِسْلَامِهِمْ، فَأَنُزْلِتِ ‏{‏الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حَدِيثِ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنِّيونَ وَالنَّفَرُ مِنَ الْعَرَبِ لَا يَشْعُرُونَ بِذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏ قَوْمٌ عَبَدُوا الْجِنَّ، فَأَسْلَمَ أُولَئِكَ الْجِنُّ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ نَفَرٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ، وَاسْتَمْسَكَ الْإِنْسُ بِعِبَادَتِهِمْ، فَقَالَ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ كَانَ نَاسٌ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ أُولَئِكَ الْجِنِّيونَ، وَثَبَتَتِ الْإِنْسُ عَلَى عِبَادَتِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ‏}‏ قَالَ كَانَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ؛ فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمُوا جَمِيعًا، فَكَانُوا يَبْتَغُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هُمُ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّدَائِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ السَّكَنِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَوَّامِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ‏:‏ كَانَ قَبَائِلُ مِنَ الْعَرَبِ يَعْبُدُونَ صِنْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، وَيَقُولُونَ‏:‏ هُمْ بَنَاتُ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ‏}‏ مَعْشَرُ الْعَرَبِ ‏{‏يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الَّذِينَ يَدْعُونَ الْمَلَائِكَةَ تَبْتَغِي إِلَى رَبِّهَا الْوَسِيلَةَ ‏{‏أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ‏}‏ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا‏}‏ قَالَ‏:‏ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُزَيْرٌ وَعِيسَى، وَأُمُّهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ السَّكَنِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏ قَالَ‏:‏ عِيسَى وَأُمُّهُ وَعُزَيْرٌ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السَّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَأُمُّهُ وَعُزَيْرٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏ قَالَ‏:‏ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَعُزَيْرٌ وَالْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغَيَّرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ عُزَيْرٌ وَالْمَسِيحُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالُ بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي رَوَيْنَاهُ‏.‏ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنِ الَّذِينَ يَدْعُوهُمُ الْمُشْرِكُونَ آلِهَةً أَنَّهُمْ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَمَعْلُومٌ أَنْ عُزَيْرًا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَيَبْتَغِي إِلَى رَبِّهِ الْوَسِيلَةَ وَأَنْ عِيسَى قَدْ كَانَ رُفِعَ، وَإِنَّمَا يَبْتَغِي إِلَى رَبِّهِ الْوَسِيلَةَ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حَيًّا يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالصَّالِحِ مِنَ الْأَعْمَالِ‏.‏ فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْعَمَلِ، فَبِمَ يَبْتَغِي إِلَى رَبِّهِ الْوَسِيلَةَ‏.‏ فَإِذْ كَانَ لَا مَعْنَى لِهَذَا الْقَوْلِ، فَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ إِلَّا قَوْلَ مَنْ قَالَ مَا اخْتَرْنَا فِيهِ مِنَ التَّأْوِيلِ، أَوْ قَوْلَ مَنْ قَالَ‏:‏ هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَهُمَا قَوْلَانِ يَحْتَمِلُهُمَا ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَأَمَّا الْوَسِيلَةُ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا الْقُرْبَةُ وَالزُّلْفَةُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ الْوَسِيلَةُ‏:‏ الْقُرْبَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ الْوَسِيلَةُ، قَالَ‏:‏ الْقُرْبَةُ وَالزُّلْفَى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَا مِنْ قَرْيَةٍ مِنَ الْقُرَى إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُو أَهْلِهَا بِالْفَنَاءِ، فَمُبِيدُوهُمُ اسْتِئْصَالًا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَوْ مُعَذِّبُوهَا، إِمَّا بِبَلَاءٍ مِنْ قَتْلٍ بِالسَّيْفِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُنُوفِ الْعَذَابِ عَذَابًا شَدِيدًا‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏ فَمُبِيدُوهَا ‏{‏أَوْ مُعَذِّبُوهَا‏}‏ بِالْقَتْلِ وَالْبَلَاءِ، قَالَ‏:‏ كُلُّ قَرْيَةٍ فِي الْأَرْضِ سَيُصِيبُهَا بَعْضُ هَذَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ سَيُصِيبُهَا هَذَا أَوْ بَعْضُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا‏}‏ قَضَاءً مِنَ اللَّهِ كَمَا تَسْمَعُونَ لَيْسَ مِنْهُ بُدٌّ، إِمَّا أَنْ يُهْلِكَهَا بِمَوْتٍ وَإِمَّا أَنْ يُهْلِكَهَا بِعَذَابٍ مُسْتَأْصِلٍ إِذَا تَرَكُوا أَمْرَهُ، وَكُذَّبُوا رُسُلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ مُبِيدُوهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي أَهْلِ قَرْيَةٍ أَذِنَ اللَّهُ فِي هَلَاكِهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا‏}‏ يَعْنِي فِي الْكِتَابِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ كُلُّ مَا هُوَ كَائِنٌ، وَذَلِكَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَقَرَأَ ‏{‏لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ‏}‏ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ‏(‏مَسْطُورًا‏)‏ مَكْتُوبًا مُبَيَّنًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَجَاجِ‏:‏

وَاعْلَـمْ بِـأَنَّ ذَا الْجَـلَالِ قَـدْ قَـدَرْ *** فِي الْكُـتُبِ الْأُولَـى الَّتِـي كَانَ سَطَرْ

أَمْرَكَ هَذَا فَاحْتَفِظْ فِيهِ النَّهَرْ

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَا مَنَعْنَا يَا مُحَمَّدُ أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ الَّتِي سَأَلَهَا قَوْمُكَ، إِلَّا أَنْ كَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ، سَأَلُوا ذَلِكَ مِثْلَ سُؤَالِهِمْ؛ فَلَمَّا آتَاهُمْ مَا سَأَلُوا مِنْهُ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، فَلَمْ يُصَدِّقُوا مَعَ مَجِيءِ الْآيَاتِ، فَعُوجِلُوا فَلَمْ نُرْسِلْ إِلَى قَوْمِكَ بِالْآيَاتِ، لِأَنَّا لَوْ أَرْسَلَنَا بِهَا إِلَيْهَا، فَكَذَّبُوا بِهَا، سَلَكْنَا فِي تَعْجِيلِ الْعَذَابِ لَهُمْ مَسْلَكَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا‏.‏

وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا ثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ «سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَأَنْ يُنَحِّيَ عَنْهُمُ الْجِبَالَ، فَيَزْرَعُوا، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ إِنْ شِئْتَ أَنْ نَسْتَأْنِيَ بِهِمْ لَعَلَّنَا نَجْتَنِي مِنْهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ نُؤْتِيَهُمُ الَّذِي سَأَلُوا، فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أُهْلِكَ مَنْ قَبْلَهُمْ، قَالَ‏:‏ بَلْ تَسْتَأْنِي بِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ‏{‏وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً‏}‏»‏.‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَسْعُودُ بْنُ عِبَّادٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِيقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ رَحْمَةٌ لَكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ، إِنَّا لَوْ أَرْسَلَنَا بِالْآيَاتِ فَكَذَّبْتُمْ بِهَا، أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏:‏ «قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَكَ أَنْبِيَاءُ، فَمِنْهُمْ مَنْ سُخِّرَتْ لَهُ الرِّيحُ‏.‏ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، فَإِنْ سَرَّكَ أَنْ نُؤْمِنَ بِكَ وَنُصَدِّقَكَ، فَادْعُ رَبَّكَ أَنْ يَكُونَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا‏.‏ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ‏:‏ إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ الَّذِي قَالُوا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ نَفْعَلَ الَّذِي قَالُوا، فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا نَزَلَ الْعَذَابُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مُنَاظَرَةٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْتَأْنِيَ قَوْمَكَ اسْتَأْنَيْتُ بِهَا، قَالَ‏:‏ يَا رَبِّ أَسَتَأْنِي»‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ «قَالَ أَهْلُ مَكَّةَ لِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا‏.‏ وَيَسُرُّكَ أَنْ نُؤْمِنَ، فَحَوِّلْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، فَأَتَاهُ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ‏:‏ إِنْ شِئْتَ كَانَ الَّذِي سَأَلَكَ قَوْمُكَ، وَلَكِنَّهُ إِنْ كَانَ ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يُنَاظَرُوا، وَإِنْ شِئْتَ اسْتَأْنَيْتُ بِقَوْمِكَ، قَالَ‏:‏ بَلِ أَسْتَأْنِي بِقَوْمِي‏.‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ‏{‏وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا‏}‏ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ‏}‏»‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنْ يُحَوِّلَ الصَّفَا ذَهَبًا، قَالَ اللَّهُ ‏{‏وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ‏}‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ لَمْ يُأْتَ قَرْيَةٌ بِآيَةٍ فَيُكَذِّبُوا بِهَا إِلَّا عَذَّبُوا، فَلَوْ جُعِلَتْ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا عَذَّبُوا، وَ“ أَنْ “ الْأَوْلَى الَّتِي مَعَ مَنَعَنَا، فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِوُقُوعِ مَنَعَنَا عَلَيْهَا، وَأَنَّ الثَّانِيَةُ رَفْعٍ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَمَا مَنَعَنَا إِرْسَالَ الْآيَاتِ إِلَّا تَكْذِيبُ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْأُمَمِ، فَالْفِعْلُ‏:‏ لِأَنَّ الثَّانِيَةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَقَدْ سَأَلَ الْآيَاتِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَبْلِ قَوْمِكَ ثَمُودُ، فَآتَيْنَاهَا مَا سَأَلَتْ، وَحَمَلْنَا تِلْكَ الْآيَةَ نَاقَةً مُبْصِرَةً، جَعَلَ الْإِبْصَارَ لِلنَّاقَةِ‏.‏ كَمَا تَقُولُ لِلشَّجَّةِ‏:‏ مُوَضِحَةً، وَهَذِهِ حُجَّةٌ مُبِيَّنَةٌ‏.‏ وَإِنَّمَا عَنَى بِالْمُبْصِرَةِ‏:‏ الْمُضِيئَةُ الْبَيِّنَةُ الَّتِي مِنْ يَرَاهَا كَانُوا أَهْلَ بَصَّرٍ بِهَا، أَنَّهَا لِلَّهِ حُجَّةٌ، كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا‏}‏‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً‏}‏‏:‏ أَيْ بَيِّنَةً‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ ‏{‏النَّاقَةَ مُبْصِرَةً‏}‏ قَالَ‏:‏ آيَةً‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مَثْلَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏فَظَلَمُوا بِهَا‏}‏ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ فَكَانَ بِهَا ظُلْمُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهَا وَعَقَرُوهَا، فَكَانَ ظُلْمُهُمْ بِعُقْرِهَا وَقَتْلِهَا، وَقَدْ قِيلَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَكَفَرُوا بِهَا، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُ أَرَادَ‏:‏ فَكَفَرُوا بِاللَّهِ بِقَتْلِهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ ‏{‏وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا‏}‏ فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ وَمَا نُرْسِلُ بِالْعَبْرِ وَالذِّكْرِ إِلَّا تَخْوِيفًا لِلْعِبَادِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا‏}‏ وَإِنَّ اللَّهَ يُخَوِّفُ النَّاسَ بِمَا شَاءَ مِنْ آيَةٍ لَعَلَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ، أَوْ يُذَكَّرُونَ، أَوْ يَرْجِعُونَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْكُوفَةَ رَجَفَتْ عَلَى عَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ‏:‏ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ رَبَّكُمْ يَسْتَعْتِبُكُمْ فَأَعْتِبُوهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ ‏{‏وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَوْتُ الذَّرِيعُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا‏}‏‏.‏

وَهَذَا حَضٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ إِلَيْهِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ سَيَمْنَعُهُ، مِنْ كُلِّ مَنْ بَغَاهُ سُوءًا وَهَلَاكًا، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ قُلْنَا لَكَ إِنْ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ قُدْرَةً، فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَشِيئَتِهِ، وَنَحْنُ مَانِعُوكَ مِنْهُمْ، فَلَا تَتَهَيَّبُ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَامْضِ لِمَا أَمَرْنَاكَ بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالَتِنَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏أَحَاطَ بِالنَّاسِ‏}‏ عَصَمَكَ مِنَ النَّاسِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ أَحَطْتُ لَكَ بِالْعَرَبِ أَنْ لَا يَقْتُلُوكَ، فَعَرَفَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏أَحَاطَ بِالنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزَّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَوْلَهُ ‏{‏أَحَاطَ بِالنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَنَعَكَ مِنَ النَّاسِ‏.‏ قَالَ مَعْمَرٌ، قَالَ قَتَادَةُ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَنَعَكَ مِنَ النَّاسِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ‏}‏ أَيْ مَنَعَكَ مِنَ النَّاسِ حَتَّى تُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّكَ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏

هُوَ رُؤْيَا عَيْنٍ، وَهِيَ مَا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَلَيْسَتْ بِرُؤْيَا مَنَامٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ رَآهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرَيَ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَكَّامٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَمْرٌو، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَرَأَى مَا رَأَى فَكَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ حِينَ أَخْبَرَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أُسْرِيَ بِهِ عِشَاءً إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَصَلَّى فِيهِ، وَأَرَاهُ اللَّهُ مَا أَرَاهُ مِنَ الْآيَاتِ، ثُمَّ أَصْبَحَ بِمَكَّةَ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالُوا لَهُ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ مَا شَأْنُكَ، أَمْسَيْتَ فِيهِ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ فِينَا تُخْبِرُنَا أَنَّكَ أَتَيْتَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَعَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى ارْتَدَّ بَعْضُهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هَوْذَةُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ‏:‏ أَلَيْسَ مِنْ كَذِبِ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ أَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَارَ مَسِيرَةَ شَهْرَيْنِ فِي لَيْلَةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو حَصِينٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْثَرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَسِيرَهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ وَيَعْقُوبُ، قَالَا ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ، فَكَانَتْ تِلْكَ فِتْنَةُ الْكَافِرِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ اللَّهُ أَرَاهُ مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ فِي مَسِيرِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ‏.‏ ذَكَرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا ارْتَدُّوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ حِينَ حَدَّثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَسِيرِهِ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَكَذَّبُوا لَهُ، وَعَجِبُوا مِنْهُ، وَقَالُوا‏:‏ تُحَدِّثُنَا أَنَّكَ سِرْتَ مَسِيرَةَ شَهْرَيْنِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ مَا أُرِي فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَرَاهُ اللَّهُ مِنَ الْآيَاتِ فِي طَرِيقِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ، نَزَلَتْ فَرِيضَةُ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ بِسَنَةٍ وَتِسْعِ سِنِينَ مِنَ الْعَشْرِ الَّتِي مَكَثَهَا بِمَكَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ‏:‏ تَعَشَّى فِينَا وَأَصْبَحَ فِينَا، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ جَاءَ الشَّامَ فِي لَيْلَةٍ ثُمَّ رَجَعَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ الْحِدَأَةَ لِتَجِيئُهَا شَهْرَيْنِ‏:‏ شَهْرًا مُقْبِلَةً، وَشَهْرَا مُدْبِرَةً‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ «هَذَا حِينَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، افْتُتِنَ فِيهَا نَاسٌ، فَقَالُوا‏:‏ يَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَيَرْجِعُ فِي لَيْلَةٍ‏:‏ وَقَالَ‏:‏ “ لَمَّا أَتَانِي جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْبُرَاقِ لِيَحْمِلَنِي عَلَيْهَا صِرْتُ بِأُذُنَيهَا، وَانْقَبَضَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا جَبْرَائِيلُ، فَقَالَ‏:‏ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِهِ مَا رَكِبَكَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ خَيْرٌ مِنْهُ، قَالَ‏:‏ فَصَرَّتْ بِأُذُنَيْهَا وَارْفَضَّتْ عَرَقًا حَتَّى سَالَ مَا تَحْتَهَا، وَكَانَ مُنْتَهَى خَطْوِهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا “ فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِذَلِكَ، قَالُوا‏:‏ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ لِيَنْتَهِيَ حَتَّى يَأْتِيَ بِكَذِبَةٍ تُخْرِجُ مِنْ أَقْطَارِهَا، فَأَتَوْا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالُوا‏:‏ هَذَا صَاحِبُكَ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ‏:‏ وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ، فَقَالَ‏:‏ إِنْ كَانَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ صَدَقَ، فَقَالُوا‏:‏ تُصَدِّقُهُ إِنْ قَالَ ذَهَبَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرَجَعَ فِي لَيْلَةٍ‏؟‏ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ إِيْ، نَزَعَ اللَّهُ عُقُولَكُمْ، أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ، وَالسَّمَاءُ أَبْعَدُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلَا أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ‏؟‏ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّا قَدْ جِئْنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصِفْهُ لَنَا، فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ، رَفَعَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَثَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ‏:‏ هُوَ كَذَا، وَفِيهِ كَذَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَأَبِيكُمْ إِنْ أَخْطَأَ مِنْهُ حَرْفًا، فَقَالُوا‏:‏ هَذَا رَجُلٌ سَاحِر»‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ يَعْنِي لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَكَانَتْ فِتْنَةٌ لَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏.‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ ‏{‏الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ حِينَ أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ رُؤْيَاهُ الَّتِي رَأَى أَنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُقَالُ‏:‏ «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِي أَنَّهُ دَخْلُ مَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ، فَعَجَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّيْرَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْأَجَلِ، فَرَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَتْ أُنَاسٌ‏:‏ قَدْ رُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ حَدَّثَنَا أَنَّهُ سَيَدْخُلُهَا، فَكَانَتْ رَجْعَتُهُ فِتْنَتَهُم»‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ‏:‏ هِيَ رُؤْيَا مَنَامٌ‏:‏ إِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي مَنَامِهِ قَوْمًا يَعْلُونَ مِنْبَرَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ‏:‏ «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي فُلَانٍ يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقِرَدَةَ، فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَمَا اسْتَجْمَعَ ضَاحِكًا حَتَّى مَاتَ، قَالَ‏:‏ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَة»‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عَنَى بِهِ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ فِي طَرِيقِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ، وَإِيَّاهُ عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ وَمَا جَعَلْنَا رُؤْيَاكَ الَّتِي أَرَيْنَاكَ لَيْلَةَ أَسْرَيْنَا بِكَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا بَلَاءً لِلنَّاسِ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ، لَمَّا أُخْبِرُوا بِالرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلِلْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ الَّذِينَ ازْدَادُوا بِسَمَاعِهِمْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَادِيًا فِي غَيِّهِمْ، وَكُفْرًا إِلَى كُفْرِهِمْ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ‏}‏ فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ‏:‏ أَيُخَوِّفُنِي ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرٍ وَزُبْدٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ‏:‏ زَقِّمُنِيِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ‏}‏ وَأَنْزَلَ ‏{‏وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ وَيَعْقُوبُ، قَالَا ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ‏}‏ فَإِنَّ قُرَيْشًا كَانُوا يَأْكُلُونَ التَّمْرَ وَالزُّبْدَ، وَيَقُولُونَ‏:‏ تَزَقَّمُوا هَذَا الزَّقُّومَ‏.‏ قَالَ أَبُو رَجَاءٍ‏:‏ فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْقُدُّوسِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ فَوَصَفَهَا اللَّهُ لَهُمْ فِي الصَّافَّاتِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هَوْذَةُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو جَهْلٍ وَكُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ‏:‏ أَلَيْسَ مِنْ كَذِبِ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ أَنَّهُ يُوعِدُكُمْ بِنَارٍ تَحْتَرِقُ فِيهَا الْحِجَارَةُ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْبُتُ فِيهَا شَجَرَةٌ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْثَرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَصِينٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ بَدْرٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا إِسْرَائِيلَ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، قَالَ‏:‏ سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ، قَالَ‏:‏ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْعَزْرَمِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ‏}‏ قَالَ‏:‏ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الزَّقُّومُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَبِي الْمَحْجَلٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي، أَنَّ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ‏:‏ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ‏:‏ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ هِيَ الزَّقُّومُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا‏}‏ وَهِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، خَوَّفَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَافْتَتَنُوا بِذَلِكَ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ‏:‏ زَعَمَ صَاحِبُكُمْ هَذَا أَنَّ فِي النَّارِ شَجَرَةً، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ، وَإِنَّا وَاللَّهَ مَا نَعْلَمُ الزَّقُّومَ إِلَّا التَّمْرَ وَالزُّبْدَ، فَتَزَقَّمُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حِينَ عَجِبُوا أَنْ يَكُونَ فِي النَّارِ شَجَرَةٌ ‏{‏إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ‏}‏، إِنِّي خَلَقْتُهَا مِنَ النَّارِ، وَعَذَّبْتُ بِهَا مَنْ شِئْتُ مِنْ عِبَادِي‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الزَّقُّومُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا‏:‏ يُخْبِرُنَا هَذَا أَنَّ فِي النَّارِ شَجَرَةً، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى لَا تَدَعَ مِنْهُ شَيْئًا، وَذَلِكَ فِتْنَةٌ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ‏}‏ الزَّقُّومُ الَّتِي سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَمْلَأَ بُيُوتَهُمْ مِنْهَا، وَقَالَ‏:‏ هِيَ الصَّرَفَانُ بِالزَّبَدِ تَتَزَقَّمُهُ، وَالصَّرَفَانِ‏:‏ صِنْفٌ مِنَ التَّمْرِ، قَالَ‏:‏ وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ‏:‏ هِيَ الصَّرَفَانِ بِالزُّبْدِ، وَافْتُتِنُوا بِهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ الْكَشُوثُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فَدِيكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَرْسَلَهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، يَسْأَلُهُ عَنْالشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ فِي الْقُرْآنِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ هِيَ هَذِهِ الشَّجَرَةُ الَّتِي تَلْوِي عَلَى الشَّجَرَةِ، وَتَجْعَلُ فِي الْمَاءِ، يَعْنِي الْكَشُوثِيَّ‏.‏

وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عَنَى بِهَا شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ، وَنُصِبَتِ “ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ “ عَطْفًا بِهَا عَلَى الرُّؤْيَا‏.‏ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ‏:‏ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، فَكَانَتْ فِتْنَتُهُمْ فِي الرُّؤْيَا مَا ذَكَرْتُ مِنَ ارْتِدَادِ مَنِ ارْتَدَّ، وَتَمَادِي أَهْلِ الشِّرْكِ فِي شِرْكِهِمْ، حِينَ أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ فِي مَسِيرِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَكَانَتْ فِتَنَتُهُمْ فِي الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ أَبِي جَهْلٍ وَالْمُشْرِكِينَ مَعَهُ‏:‏ يُخْبِرُنَا مُحَمَّدٌ أَنَّ فِي النَّارِ شَجَرَةً نَابِتَةً، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ فَكَيْفَ تَنْبُتُ فِيهَا‏؟‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَنُخَوِّفُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِمَا نَتَوَعَّدُهُمْ مِنَ الْعُقُوبَاتِ وَالنَّكَالِ، فَمَا يَزِيدُهُمْ تَخْوِيفُنَا إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا، يَقُولُ‏:‏ إِلَّا تَمَادِيًا وَغَيًّا كَبِيرًا فِي كُفْرِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا خُوِّفُوا بِالنَّارِ الَّتِي طَعَامُهُمْ فِيهَا الزَّقُّومُ دَعَوْا بِالتَّمْرِ وَالزُّبْدِ، وَقَالُوا‏:‏ تَزَقَّمُوا مِنْ هَذَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَنَذْكُرُ بَعْضُ مَنْ بَقِيَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ‏}‏ قَالَ‏:‏ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، وَالشَّيَاطِينُ مَلْعُونُونَ‏.‏ قَالَ ‏{‏وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ‏}‏ لَمَّا ذَكَرَهَا زَادَهُمُ افْتِتَانًا وَطُغْيَانًا، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ‏{‏وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏61- 62‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ تَمَادِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي غَيِّهِمْ وَارْتِدَادِهِمْ عُتُوًّا عَلَى رَبِّهِمْ بِتَخْوِيفِهِ إِيَّاهُمْ تَحْقِيقَهُمْ قَوْلَ عَدُوِّهِمْ وَعَدُوِّ وَالِدِهِمْ، حِينَ أَمَرَهُ رَبُّهُ بِالسُّجُودِ لَهُ فَعَصَاهُ وَأَبَى السُّجُودَ لَهُ، حَسَدًا وَاسْتِكْبَارًا ‏{‏لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ وَكَيْفَ صَدَّقُوا ظَنَّهُ فِيهِمْ، وَخَالَفُوا أَمْرَ رَبِّهِمْ وَطَاعَتَهُ، وَاتَّبَعُوا أَمْرَ عَدُوِّهِمْ وَعَدُوِّ وَالِدِهِمْ‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ‏}‏‏:‏

وَاذْكُرْ إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ ‏{‏اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ‏}‏ فَإِنَّهُ اسْتَكْبَرَ وَقَالَ ‏{‏أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لِمَنْ خَلَقَتْهُ مَنْ طِينٍ؛ فَلَمَّا حُذِفَتْ “ مَنْ “ تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ ‏(‏خَلَقْتَ‏)‏ فَنُصِبَ، يَفْتَخِرُ عَلَيْهِ الْجَاهِلُ بِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِنْ طِينٍ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ بَعَثَ رَبُّ الْعِزَّةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِبْلِيسَ، فَأَخَذَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ، مَنْ عَذْبِهَا وَمِلْحِهَا، فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ، فَكُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مَنْ عَذْبِهَا فَهُوَ صَائِرٌ إِلَى السَّعَادَةِ وَإِنْ كَانَ ابْنَ كَافِرِينَ، وَكُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ مِلْحِهَا فَهُوَ صَائِرٌ إِلَى الشَّقَاوَةِ وَإِنْ كَانَ ابْنَ نَبِيِّينَ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ إِبْلِيسٌ ‏{‏أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا‏}‏‏:‏ أَيْ هَذِهِ الطِّينَةِ أَنَا جِئْتُ بِهَا، وَمِنْ ثَمَّسُمِّيَ آدَمُ‏.‏ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَهُ عَلَيَّ، فَأَمَرَتْنِي بِالسُّجُودِ لَهُ، وَيَعْنِي بِذَلِكَ آدَمَ ‏{‏لَئِنْ أَخَّرْتَنِ‏}‏ أَقْسَمَ عَدُوُّ اللَّهِ، فَقَالَ لِرَبِّهِ‏:‏ لَئِنْ أَخَّرَتْ إِهْلَاكِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ‏{‏لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لِأَسْتَوْلِيَنَّ عَلَيْهِمْ، وَلِأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ، وَلِأَسْتَمِيلَنَّهُمْ يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ احْتَنَكَ فُلَانٌ مَا عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ مَالٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

نَشْـكُو إِلَيْـكَ سَـنَةً قَـدْ أجْحَـفَتْ *** جَـهْدًا إلـى جَـهْدٍ بِنَـا فـأضْعَفَتْ

واحْتَنَكـَتْ أمْـوَالَنا وجَـلَّفَتْ ***

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ لَأَحْتَوِيَنَّهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَأَسْتَوْلِيَنَّ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ قَالَ‏:‏ لَأُضِلَّنَّهُمْ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فَإِنَّهَا مُتَقَارِبَاتُ الْمَعْنَى، لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَالِاحْتِوَاءَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَإِذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ فَقَدْ أَضَلَّهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ اللَّهُ لِإِبْلِيسٍ إِذْ قَالَ لَهُ ‏{‏لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ اذْهَبْ فَقَدْ أَخَّرْتُكَ، فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ، يَعْنِي مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَطَاعَكَ، فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكَ وَجَزَاؤُهُمْ، يَقُولُ‏:‏ ثَوَابُكَ عَلَى دُعَائِكَ إِيَّاهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِي، وَثَوَابُهُمْ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ إِيَّاكَ وَخِلَافِهِمْ أَمْرِي ‏{‏جَزَاءً مَوْفُورًا‏}‏‏:‏ يَقُولُ‏:‏ ثَوَابًا مَكْثُورًا مُكَمِّلًا‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا‏}‏عَذَابُ جَهَنَّمَ جَزَاؤُهُمْ، وَنِقْمَةٌ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَعْدَائِهِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا شَيْءٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا‏}‏ قَالَ‏:‏ وَافِرًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏(‏مَوْفُورًا‏)‏، قَالَ‏:‏ وَافِرًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا‏}‏‏.‏

يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَاسْتَفْزِزْ‏)‏ وَاسْتَخْفَفَ وَاسْتَجْهَلَ، مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ اسْتَفَزَّ فُلَانَا كَذَا وَكَذَا فَهُوَ يَسْتَفِزُّهُ ‏{‏مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيالصَّوْتِ الَّذِي عَنَاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ‏{‏وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَنَى بِهِ‏:‏ صَوَّتَ الْغِنَاءِ وَاللَّعِبِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِاللَّهْوِ وَالْغِنَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ لَيْثًا يَذْكُرُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عَنَى بِهِ ‏{‏وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ‏}‏ بِدُعَائِكَ إِيَّاهُ إِلَى طَاعَتِكَ وَمَعْصِيَةِ اللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ صَوْتُهُ كُلُّ دَاعٍ دَعَا إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِدُعَائِكَ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ لِإِبْلِيسٍ‏:‏ وَاسْتَفْزِزْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مَنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَسْتَفِزَّهُ بِصَوْتِكَ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْ ذَلِكَ صَوْتًا دُونَ صَوْتٍ، فَكُلُّ صَوْتٍ كَانَ دُعَاءً إِلَيْهِ وَإِلَى عَمَلِهِ وَطَاعَتِهِ، وَخِلَافًا لِلدُّعَاءِ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى صَوْتِهِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ لَهُ ‏{‏وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَجْمِعْ عَلَيْهِمْ مِنْ رُكْبَانِ جُنْدِكَ وَمُشَاتِهِمْ مَنْ يَجْلِبُ عَلَيْهَا بِالدُّعَاءِ إِلَى طَاعَتِكَ، وَالصَّرْفِ عَنْ طَاعَتِي، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ أَجْلَبَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ إِجْلَابًا‏:‏ إِذَا صَاحَ عَلَيْهِ‏.‏ وَالْجَلَبَةُ‏:‏ الصَّوْتُ، وَرُبَّمَا قِيلَ‏:‏ مَا هَذَا الْجَلَبُ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ الْغَلَبُ، وَالشَّفَقَةُ وَالشَّفَقُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي سُلَّمُ بْنُ جَنَادَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ لَيْثًا يَذْكُرُ عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كُلُّ رَاكِبٍ وَمَاشٍ فِي مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنَّ لَهُ خَيْلًا وَرِجَلًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَهُمُ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ‏}‏ قَالَ الرِّجَالُ الْمُشَاةُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ خَيَّلُهُ‏:‏ كُلُّ رَاكِبٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ؛ وَرَجِلُهُ‏:‏ كُلُّ رَاجِلٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا كَانَ مِنْ رَاكِبٍ يُقَاتِلُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ خَيْلِ إِبْلِيسٍ، وَمَا كَانَ مِنْ رَاجِلٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ رِجَالِ إِبْلِيسٍ، وَالرَّجْلُ‏:‏ جَمْعُ رَاجِلٌ، كَمَا التَّجْرُ‏:‏ جَمْعُ تَاجَرٍ، وَالصَّحْبُ‏:‏ جَمْعٌ صَاحِبٍ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ‏}‏ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِيالْمُشَارَكَةِ الَّتِي عَنَيَتْ بِقَوْلِهِ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ أَمْرُهُ إِيَّاهُمْ بِإِنْفَاقِ أَمْوَالِهِمْ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ واِكْتِسَابِهُمُوهَا مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ لَيْثًا يُذْكَرُ عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ‏}‏ الَّتِي أَصَابُوهَا مِنْ غَيْرِ حَلِّهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا أُكِلَ مِنْ مَالٍ بِغَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ‏:‏ الشِّرْكُ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَدْ وَاللَّهِ شَارَكَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَأَعْطَاهُمُ اللَّهُ أَمْوَالًا فَأَنْفَقُوهَا فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ فِي غَيْرِ حَقِّ اللَّهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ الْحَسَنُ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ‏}‏ مُرْهُمْ أَنْ يَكْسِبُوهَا مِنْ خَبِيثٍ، وَيُنْفِقُوهَا فِي حَرَامٍ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ قَالَ‏:‏ كُلُّ مَالٍ فِي مَعْصِيِّهِ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُشَارَكَتُهُ إِيَّاهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، مَا زَيَّنَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ حَتَّى رَكِبُوهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ‏}‏ كُلِّ مَا أَنْفَقُوا فِي غَيْرِ حَقِّهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُشْرِكِينَ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنَ الْأَنْعَامِ كَالْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمَى، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْأَمْوَالُ‏:‏ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ أَنْعَامِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى، عَنْ عُمْرَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ‏.‏ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ مُشَارَكَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ أَنْ جَعَلُوا الْبُحَيْرَةَ وَالسَّائِبَةَ وَالْوَصِيلَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ‏}‏ فَإِنَّهُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، أَمَّا فِي الْأَمْوَالِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا بُحَيْرَةً وَسَائِبَةً وَوَصِيلَةً وَحَامًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ الصَّوَابُ‏:‏ حَامِيًا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُنِيَ بِهِ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ يَعْنِي مَا كَانُوا يَذْبَحُونَ لِآلِهَتِهِمْ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عُنِيَ بِذَلِكَ كُلُّ مَالٍ عَصَى اللَّهَ فِيهِ بِإِنْفَاقٍ فِي حَرَامٍ أَوِ اكْتِسَابٍ مِنْ حَرَامٍ، أَوْ ذَبْحٍ لِلْآلِهَةِ، أَوْ تَسْيِيبٍ، أَوْ بَحْرٍ لِلشَّيْطَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ مَعْصِيًّا بِهِ أَوْ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ‏}‏ فَكُلُّ مَا أُطِيعَ الشَّيْطَانُ فِيهِ مِنْ مَالٍ وَعُصِيَ اللَّهُ فِيهِ، فَقَدْ شَارَكَ فَاعِلَ ذَلِكَ فِيهِ إِبْلِيسٌ، فَلَا وَجْهَ لِخُصُوصِ بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏(‏وَالْأَوْلَادِ‏)‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ شَرِكَتِهِ بُنِيَ آدَمَ فِي أَوْلَادِهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ شَرِكَتُهُ إِيَّاهُمْ فِيهِمْ بِزَنَاهُمْ بِأُمَّهَاتِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَى أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمَى، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَوْلَادُ الزِّنَا‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ لَيْثًا يَذْكُرُ عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَوْلَادُ الزِّنَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَوْلَادُ الزِّنَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ أَوْلَادُ الزِّنَا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَوْلَادُ الزِّنَا، يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الشِّرْكِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْأَوْلَادُ‏:‏ أَوْلَادُ الزِّنَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ‏:‏ وَأْدُهُمْ أَوْلَادَهُمْ وَقَتْلِهُمُوهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا قَتَلُوا مِنْ أَوْلَادِهِمْ، وَأَتَوْا فِيهِمُ الْحَرَامَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ‏:‏ صَبْغُهُمْ إِيَّاهُمْ فِي الْكُفْرِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَدْ وَاللَّهِ شَارَكَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، فَمَجَّسُوا وَهَوَّدُوا وَنَصَّرُوا وَصَبَغُوا غَيْرَ صِبْغَةِ الْإِسْلَامِ وَجَزَّءُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ جُزْءًا لِلشَّيْطَانِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، أَمَّا فِي الْأَوْلَادِ فَإِنَّهُمْ هَوَّدُوهُمْ وَنَصَّرُوهُمْ وَمَجَّسُوهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ تَسْمِيَتَهُمْ أَوْلَادَهُمْ عَبْدَ الْحَرْثِ وَعَبْدَ شَمْسٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمْرَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُشَارَكَتُهُ إِيَّاهُمْ فِي الْأَوْلَادِ، سُمُّوا عَبْدُ الْحَرْثِ وَعَبْدُ شَمْسٍ وَعَبْدُ فُلَانٍ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ كُلُّ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ أُنْثَى عَصَى اللَّهَ بِتَسْمِيَتِهِ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، أَوْ بِإِدْخَالِهِ فِي غَيْرِ الدِّينِ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ، أَوْ بِالزِّنَا بِأُمِّهِ، أَوْ قَتْلِهِ وَوَأْدِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُخَصَّصُ بِقَوْلِهِ ‏{‏وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ‏}‏ مَعْنَى الشَّرِكَةِ فِيهِ بِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَكُلُّ مَا عُصِيَ اللَّهُ فِيهِ أَوْ بِهِ، وَأُطِيعُ بِهِ الشَّيْطَانُ أَوْ فِيهِ، فَهُوَ مُشَارَكَةُ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيهِ أَوْ بِهِ إِبْلِيسَ فِيهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِإِبْلِيسٍ‏:‏ وَعِدْ أَتْبَاعَكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، النُّصْرَةَ عَلَى مَنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ، يَقُولُ اللَّهُ ‏{‏وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا‏}‏ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ شَيْئًا، فَهُمْ مِنْ عِدَاتِهِ فِي بَاطِلٍ وَخَدِيعَةٍ، كَمَا قَالَ لَهُمْ عَدُوُّ اللَّهِ حِينَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِإِبْلِيسٍ‏:‏ إِنْ عِبَادِي الَّذِينَ أَطَاعُونِي، فَاتَّبَعُوا أَمْرِي وَعَصَوْكَ يَا إِبْلِيسُ، لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَكَفَاكَ يَا مُحَمَّدُ رَبُّكَ حَفِيظًا، وَقَيِّمًا بِأَمْرِكَ، فَانْقَدَّ لِأَمْرِهِ، وَبَلِّغْ رِسَالَاتِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا تَخَفْ أَحَدًا، فَإِنَّهُ قَدْ تَوَكَّلَ بِحِفْظِكَ وَنُصْرَتِكَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا‏}‏ وَعِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَقَالَ اللَّهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى ‏{‏إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ‏:‏ رَبُّكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُ لَكُمُ السُّفُنَ فِي الْبَحْرِ، فَيَحْمِلُكُمْ فِيهَا ‏{‏لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ‏}‏ لِتُوَصَلُوا بِالرُّكُوبِ فِيهَا إِلَى أَمَاكِنِ تِجَارَاتِكُمْ وَمَطَالِبِكُمْ وَمَعَايِشِكُمْ، وَتَلْتَمِسُونَ مِنْ رِزْقِهِ ‏{‏إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا حِينَ أَجْرَى لَكُمُ الْفَلَكَ فِي الْبَحْرِ، تَسْهِيلًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمُ التَّصَرُّفَ فِي طَلَبِ فَضْلِهِ فِي الْبِلَادِ النَّائِيَةِ الَّتِي لَوْلَا تَسْهِيلُهُ ذَلِكَ لَكُمْ لَصَعُبَ عَلَيْكُمُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ ‏{‏يُزْجِي لَكُمْ‏}‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يُجْرِي الْفُلْكَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُسَيِّرُهَا فِي الْبَحْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏{‏رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُجْرِي‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُجْرِيهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِذَا نَالَتْكُمُ الشَّدَّةُ وَالْجَهْدُ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ فَقَدْتُمْ مَنْ تَدْعُونَ مَنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ، وَجَارَ عَنْ طَرِيقِكُمْ فَلَمْ يُغِثْكُمْ، وَلَمْ تَجِدُوا غَيْرَ اللَّهِ مُغِيثًا يُغِيثُكُمْ دَعَوْتُمُوهُ، فَلَمَّا دَعَوْتُمُوهُ وَأَغَاثَكُمْ، وَأَجَابَ دُعَاءَكُمْ وَنَجَّاكُمْ مَنْ هَوْلِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ فِي الْبَحْرِ، أَعْرَضْتُمْ عَمَّا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ رَبَّكُمْ مَنْ خَلْعِ الْأَنْدَادِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْآلِهَةِ، وَإِفْرَادِهِ بِالْأُلُوهَةِ كُفْرًا مِنْكُمْ بِنِعْمَتِهِ ‏{‏وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَكَانَالْإِنْسَانُ ذَا جَحْدٍ لِنِعَمِ رَبِّهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏(‏أَفَأَمِنْتُمْ‏)‏ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ رَبِّكُمْ، وَقَدْ كَفَرْتُمْ نِعْمَتَهُ بِتَنْجِيَتِهِ إِيَّاكُمْ مِنْ هَوْلِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ فِي الْبَحْرِ، وَعَظِيمِ مَا كُنْتُمْ قَدْ أَشْرَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْهَلَاكِ، فَلَمَّا نَجَّاكُمْ وَصِرْتُمْ إِلَى الْبَرِّ كَفَرْتُمْ، وَأَشْرَكْتُمْ فِي عِبَادَتِهِ غَيْرَهُ ‏{‏أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ‏}‏ يَعْنِي نَاحِيَةَ الْبَرِّ ‏{‏أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَوْ يُمْطِرُكَمْ حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ تَقْتُلُكُمْ، كَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ لُوطٍ ‏{‏ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ مَا يَقُومُ بِالْمُدَافِعَةِ عَنْكُمْ مِنْ عَذَابِهِ وَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ‏{‏ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا‏}‏ أَيْ مَنَعَةً وَلَا نَاصِرًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا‏}‏ قَالَ‏:‏ مَطَرُ الْحِجَارَةِ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنَ الْبَحْرِ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُوَجِّهُ تَأْوِيلَ قَوْلَهُ ‏{‏أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا‏}‏ إِلَى‏:‏ أَوْ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ رِيحًا عَاصِفًا تَحْصِبُ، وَيَسْتَشْهِدُ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ‏:‏

مُسْـتَقْبِلِينَ شَـمَالَ الشَّـامِ تَضْرِبُنَـا *** بِحـاصِبٍ كنَـدِيفِ الْقُطْـنِ مَنْثُـورِ

وَأَصْلُ الْحَاصِبِ‏:‏ الرِّيحُ تَحْصِبُ بِالْحَصْبَاءِ؛ الْأَرْضُ فِيهَا الرَّمْلُ وَالْحَصَى الصِّغَارُ‏.‏ يُقَالُ فِي الْكَلَامِ‏:‏ حَصَبَ فُلَانٌ فُلَانًا‏:‏ إِذَا رَمَاهُ بِالْحَصْبَاءِ، وَإِنَّمَا وُصِفَتِ الرِّيحُ بِأَنَّهَا تَحْصِبُ لِرَمْيهَا النَّاسَ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْأَخْطَلُ‏:‏

ولَقَـدْ عَلِمْـتُ إِذَا الْعِشَـارُ تَرَوَّحَـتْ *** هَـدْجَ الرِّئَـالِ تَكُـبُّهُنَّ شَـمَالًا

تَـرْمِي الْعِضَـاهُ بِحَـاصِبٍ مِنْ ثَلْجِهَا *** حَـتَّى يَبِيـتُ عَـلى الْعِضَـاهِ جِفَـالًا

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَمْ أَمِنْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنْ رَبِّكُمْ، وَقَدْ كَفَرْتُمْ بِهِ بَعْدَ إِنْعَامِهِ عَلَيْكُمْ، النِّعْمَةَ الَّتِي قَدْ عَلِمْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِي الْبَحْرِ تَارَةً أُخْرَى‏:‏ يَقُولُ‏:‏ مَرَّةً أُخْرَى، وَالْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ “ فِيهِ “ مِنْ ذِكْرِ الْبَحْرِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى‏}‏‏:‏ أَيْ فِي الْبَحْرِ مَرَّةً أُخْرَى ‏{‏فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ‏}‏ وَهِيَ الَّتِي تَقْصِفُ مَا مَرَّتْ بِهِ فَتُحَطِّمُهُ وَتَدُقُّهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ قَصَفَ فُلَانٌ ظَهْرَ فُلَانٍ‏:‏ إِذَا كَسَرَهُ ‏{‏فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَيُغْرِقُكُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الرِّيحِ الْقَاصِفِ بِمَا كَفَرْتُمْ، يَقُولُ‏:‏ بِكُفْرِكُمْ بِهِ ‏{‏ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا تَابِعًا يَتْبَعُنَا بِمَا فَعَلْنَا بِكُمْ، وَلَا ثَائِرًا يَثْأَرُنَا بِإِهْلَاكِنَا إِيَّاكُمْ، وَقِيلَ‏:‏ تَبِيعًا فِي مَوْضِعِ التَّابِعِ، كَمَا قِيلَ‏:‏ عَلِيمٌ فِي مَوْضِعِ عَالَمٍ‏.‏ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ طَالِبٍ بِدَمٍ أَوْ دِينٍ أَوْ غَيْرِهِ‏:‏ تَبِيعٌ‏.‏ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

عَـدَوْا وَعَـدَتْ غِـزْلَانَهُمْ فَكأنَّهَـا *** ضَـوَامِنُ غُـرْمٍ لَـزَّهُنَّ تَبِيـعُ

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الْقَاصِفِ وَالتَّبِيعِ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ عَاصِفًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ قَاصِفًا الَّتِي تُغْرِقُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ ‏{‏ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا‏}‏ يَقُولُ نَصِيرًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ ثَائِرًا، وَقَالَ الْحَرْثُ‏:‏ نَصِيرًا ثَائِرًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ ثَائِرًا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا‏}‏ أَيْ لَا نَخَافُ أَنْ نُتْبَعَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَا يَتْبَعُنَا أَحَدٌ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالتَّارَةُ‏:‏ جَمَعَهُ تَارَاتٌ وَتِيرٌ، وَأُفْعَلْتُ مِنْهُ‏:‏ أَتَرْتُ‏.‏